8. خطبة أبي بكر الصديق
بدأ أبو بكر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:
"إن اللّه بعث محمداً رسولاً إلى خلقه، وشهيداً على أمته ليعبدوا اللّه ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، ويزعمون أنها لهم عنده شافعة، ولهم نافعة وإنما هي من حجر منحوت، وخشب منجور. ثم قرأ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه مَا لاَ يَضًّرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه} يونس 18 {وَقَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لَيُقَرِّبُونَا إِلَى اللّه زُلْفَى} الزمر 3. فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص اللّه المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف. زار عليهم، فلم يستوحشوا لقلة عددهم، وشنف الناس لهم (أي بغض الناس لهم) وإجماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد اللّه في الأرض، وآمن باللّه وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من عبده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم، أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام. رضيكم اللّه أنصاراً لدينه ولرسوله، وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تُفْتانون بمشْوَرة، ولا تقضى دونكم الأمور.
--------------------------------------------------------------------------------
9. خطبة الحباب بن المنذر
- فقام الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي السلمي ويكنى أبا عمر وكان يقال له ذو الرأي . فقال:
يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجتري مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولو العدة والمنعة والتجربة ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد رأيكم وينتقض عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير
ورد عمر بن الخطاب على الحباب فقال :
هيهات لا يجتمع اثنان في قرن (وهو الجبل ولا يقال للجبل قرن حتى يقرن فيه بعيران) والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم (أي مائل متعمد) أو متورط في هلكة. فقام الحباب بن المنذر فقال :
يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا علكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين أنا جذيلها (الجذل : أصل الشجرة وعود ينصب لتحتك به الجربى من الإبل فتستشفى به والعذق : النخلة بحملها وقول الحباب : " أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب " مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه أي قد جربتني الأمور ولي رأي وعلم يستشفى بهما كما تستشفى هذه الإبل بهذه الجذل . وصغره على جهة المدح وصغر الغذق على جهة المدح أو التعظيم . والترجيب : أن تدعم الشجرة إذا كثر حملها لئلا تتكسر أغصانها . وقيل ترجيبها هو أن يوضع الشوك حوالي الأعذاق لئلا يصل إليها فلا تسرق . وقد أراد بالترجيب التعظيم) المحكك وعذيقها المرجب أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة
لقد لج الحباب في الخصومة واستعمل في خطبته ألفاظا شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدا إذن يقتلك الله . قال : بل إياك يقتلك
قال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل
وعندئذ قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري ويكنى أبا النعمان فقال :
يا معشر الأنصار إنا والله كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا . فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش وقومه به أحق وأولى وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم
فأراد أبو بكر بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين قائلا : هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا
فقالا : لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك فإنك أفضل المهاجرين وثاني إثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك. فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق
ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير الذي كان رئيس الأوس يوم بعاث ومن أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء
والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقاموا إليه فبايعوه فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعواه له من أمرهم
ولم يلق الرأي الذي قاله الأنصار ( منا أمير ومنكم أمير ) قبولا حتى سعد نفسه فإنه لما سمع به قال : ( هذا أول الوهن ) لأن انقسام القوة موهن لها و كذا رفضه عمر حيث قال : ( هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ) وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علما منه بمكانته واعترافا بفضله
أقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب وأقبلت أسلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا فكان عمر يقول : ( ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ) وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضا ولا يستطيع النهوض وحدثت بينه وبين عمر مشادة وأخيرا حمل سعد وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال :
أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل . وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي
هذا ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة وليس له أنصار ولا أغلبية لقد طمع في الخلافة وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق من حياتهم . إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه
فلما علم أبو بكر بما قال سعد قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع . فقال له بشير بن سعد : إنه قد لج وأبى وليس بمبايعتكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد . فتركوه عملا برأي بشير
--------------------------------------------------------------------------------
10. تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة
قال الزهري : ( بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها فبايعوه (أصح الأقوال أن فاطمة توفيت بعد رسول الله بستة أشهر) وكانت فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك (قرية بخيبر) وما بقي من خمس خيبر فأبى أبو بكر أن يدفع إليها شيئا لأن رسول الله قال : ( لا نورث ما تركناه صدقة ) فوجدت فاطمة على أبي بكر الصديق في ذلك ولم تكلمه حتى توفيت
وقد كان علي رضي الله عنه يرى أنه أحق بالخلافة من أبي بكر لقرابته من رسول الله لذلك فقد تخلف عن البيعة ( * ) مع أن رسول الله لما مرض وتعذر عليه الخروج إلى الصلاة . قال مروا أبا بكر فليصل بالناس . فقالت له عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . فعاودته مثل مقولتها . فقال : إنكن صواحبات يوسف . مروا أبا بكر فليصل بالناس . وفي تقديمه أبا بكر إلى الصلاة إشارة إلى أنه الخليفة بعده قال الزبير : لا أغمد سيفا حتى يبايع علي . فقال عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر . ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة . وقيل لما سمع علي ببيعة أبي بكر خرج في قميصه ما عليه إزار ولا رداء عجلا حتى يبايعه ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلله . قال ابن الأثير : والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر
وممن تخلف عن بيعة أبي بكر عتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي وتخلف أيضا أبو سفيان من بني أمية
_________
( * ) وفي أسد الغابة رواية عن يحيى بن عروة المرادي قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر . فاجتمع المسلمون على أبي بكر فسمعت وأطعت . ثم إن أبا بكر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني . فجعلها في عمر فسمعت وأطعت . ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستة أنا أحدهم فولوها عثمان فسمعت وأطعت . ثم إن عثمان قتل فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين . الخ :pirat: :pirat: :arrow: :arrow: :arrow: :arrow: :arrow:
بدأ أبو بكر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:
"إن اللّه بعث محمداً رسولاً إلى خلقه، وشهيداً على أمته ليعبدوا اللّه ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، ويزعمون أنها لهم عنده شافعة، ولهم نافعة وإنما هي من حجر منحوت، وخشب منجور. ثم قرأ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه مَا لاَ يَضًّرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللّه} يونس 18 {وَقَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لَيُقَرِّبُونَا إِلَى اللّه زُلْفَى} الزمر 3. فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص اللّه المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف. زار عليهم، فلم يستوحشوا لقلة عددهم، وشنف الناس لهم (أي بغض الناس لهم) وإجماع قومهم عليهم، فهم أول من عبد اللّه في الأرض، وآمن باللّه وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من عبده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم، أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام. رضيكم اللّه أنصاراً لدينه ولرسوله، وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تُفْتانون بمشْوَرة، ولا تقضى دونكم الأمور.
--------------------------------------------------------------------------------
9. خطبة الحباب بن المنذر
- فقام الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري الخزرجي السلمي ويكنى أبا عمر وكان يقال له ذو الرأي . فقال:
يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجتري مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة وأولو العدة والمنعة والتجربة ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ولا تختلفوا فيفسد رأيكم وينتقض عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير
ورد عمر بن الخطاب على الحباب فقال :
هيهات لا يجتمع اثنان في قرن (وهو الجبل ولا يقال للجبل قرن حتى يقرن فيه بعيران) والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم (أي مائل متعمد) أو متورط في هلكة. فقام الحباب بن المنذر فقال :
يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا علكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين أنا جذيلها (الجذل : أصل الشجرة وعود ينصب لتحتك به الجربى من الإبل فتستشفى به والعذق : النخلة بحملها وقول الحباب : " أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب " مثل يضرب لمن يستشفى برأيه ويعتمد عليه أي قد جربتني الأمور ولي رأي وعلم يستشفى بهما كما تستشفى هذه الإبل بهذه الجذل . وصغره على جهة المدح وصغر الغذق على جهة المدح أو التعظيم . والترجيب : أن تدعم الشجرة إذا كثر حملها لئلا تتكسر أغصانها . وقيل ترجيبها هو أن يوضع الشوك حوالي الأعذاق لئلا يصل إليها فلا تسرق . وقد أراد بالترجيب التعظيم) المحكك وعذيقها المرجب أما والله لو شئتم لنعيدنها جذعة
لقد لج الحباب في الخصومة واستعمل في خطبته ألفاظا شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدا إذن يقتلك الله . قال : بل إياك يقتلك
قال أبو عبيدة : يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل
وعندئذ قام بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري ويكنى أبا النعمان فقال :
يا معشر الأنصار إنا والله كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا . فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش وقومه به أحق وأولى وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم
فأراد أبو بكر بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين قائلا : هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا
فقالا : لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك فإنك أفضل المهاجرين وثاني إثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك. فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق
ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير الذي كان رئيس الأوس يوم بعاث ومن أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء
والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقاموا إليه فبايعوه فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعواه له من أمرهم
ولم يلق الرأي الذي قاله الأنصار ( منا أمير ومنكم أمير ) قبولا حتى سعد نفسه فإنه لما سمع به قال : ( هذا أول الوهن ) لأن انقسام القوة موهن لها و كذا رفضه عمر حيث قال : ( هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ) وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علما منه بمكانته واعترافا بفضله
أقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب وأقبلت أسلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا فكان عمر يقول : ( ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ) وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضا ولا يستطيع النهوض وحدثت بينه وبين عمر مشادة وأخيرا حمل سعد وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال :
أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل . وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي
هذا ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة وليس له أنصار ولا أغلبية لقد طمع في الخلافة وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق من حياتهم . إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه
فلما علم أبو بكر بما قال سعد قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع . فقال له بشير بن سعد : إنه قد لج وأبى وليس بمبايعتكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد . فتركوه عملا برأي بشير
--------------------------------------------------------------------------------
10. تخلف علي رضي الله عنه عن البيعة
قال الزهري : ( بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها فبايعوه (أصح الأقوال أن فاطمة توفيت بعد رسول الله بستة أشهر) وكانت فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك (قرية بخيبر) وما بقي من خمس خيبر فأبى أبو بكر أن يدفع إليها شيئا لأن رسول الله قال : ( لا نورث ما تركناه صدقة ) فوجدت فاطمة على أبي بكر الصديق في ذلك ولم تكلمه حتى توفيت
وقد كان علي رضي الله عنه يرى أنه أحق بالخلافة من أبي بكر لقرابته من رسول الله لذلك فقد تخلف عن البيعة ( * ) مع أن رسول الله لما مرض وتعذر عليه الخروج إلى الصلاة . قال مروا أبا بكر فليصل بالناس . فقالت له عائشة : يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . فعاودته مثل مقولتها . فقال : إنكن صواحبات يوسف . مروا أبا بكر فليصل بالناس . وفي تقديمه أبا بكر إلى الصلاة إشارة إلى أنه الخليفة بعده قال الزبير : لا أغمد سيفا حتى يبايع علي . فقال عمر : خذوا سيفه واضربوا به الحجر . ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة . وقيل لما سمع علي ببيعة أبي بكر خرج في قميصه ما عليه إزار ولا رداء عجلا حتى يبايعه ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلله . قال ابن الأثير : والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر
وممن تخلف عن بيعة أبي بكر عتبة بن أبي لهب وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي وتخلف أيضا أبو سفيان من بني أمية
_________
( * ) وفي أسد الغابة رواية عن يحيى بن عروة المرادي قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول قبض النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر . فاجتمع المسلمون على أبي بكر فسمعت وأطعت . ثم إن أبا بكر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني . فجعلها في عمر فسمعت وأطعت . ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستة أنا أحدهم فولوها عثمان فسمعت وأطعت . ثم إن عثمان قتل فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين . الخ :pirat: :pirat: :arrow: :arrow: :arrow: :arrow: :arrow: